فمن أين يأتي الاستنكار وهم ما رووها إلا وهم يعتقدون صحتها؟!
وهذا الحديث بالذات مما شهد المعتزلة بأن البكرية وضعته في مقابل الحديث المروي عنه (ص) في مرضه: (ائتوني بدواة وبياض أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا) فاختلفوا عنده، وقال قوم منهم: لقد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله! (41).
ومما يشهد لهذا القول، بل يجعله يقينا لا شك فيه، ما ثبت عن ابن عباس في وصف اختلافهم عند النبي الذي حال دون كتابة ذلك الكتاب، فقد كان ابن عباس يصف هذا الحدث بأنه (الرزية، كل الرزية) ويذكره فيقول:
(يوم الخميس، وما يوم الخميس!) ويبكي حتى يبل دمعه الحصى (42) فلو كان الأمر كما وصفه الحديث المنسوب إلى عائشة (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) لم تكن ثمة رزية يبكي لها ابن عباس كل هذا البكاء ويتوجع كل هذا التوجع.
إن بكاء ابن عباس وتوجعه الشديد لهذا الحديث لهو دليل لا شئ أوضح منه على أن الذي أراده النبي (ص) من ذلك الكتاب لم يتحقق، بل تحقق شئ آخر غيره لم يكن النبي (ص) أراده ولا أشار إليه أدنى إشارة.
وتزداد هذه الحقيقة رسوخا حين ندرك أن ابن عباس هو واحد من سادة بني هاشم الذين لم يبايعوا لأبي بكر إلا بعد ستة أشهر! (43).
فمع هذه الثوابت لا يبقى احتمال لصحة الحديث المنسوب إلى عائشة!