به من أنه لم ينقلها ثقة بها وإنما هي روايات بلغته والعهدة فيها على رواتها؟!
لقد أسقط ابن الأثير تلك الأسانيد وأبقى النصوص وكأنها الحقائق التي لا شك فيها ولا غبار عليها!
فإذا تذكرنا أن هذه الحقبة الحاسمة من التاريخ قد حصرها الطبري برواية سيف بن عمر في الأغلب الأعم، وإذا تذكرنا من هو سيف، ومن هو راويته الأول، علمنا عندئذ فداحة الأمر الذي ارتكبه ابن الأثير!
وعلمنا أيضا مدى ما لقوله الآتي من حقيقة، ومدى ما له من أثر فادح في ثقافة الأجيال وعقائدها... ذلك قوله وهو يصف مصادره التي اعتمدها في تاريخه وفي مقدمتها روايات الطبري عن كتب سيف، فيقول: (على أني لم أنقل إلا من التواريخ المذكورة، والكتب المشهورة، ممن يعلم بصدقهم في ما نقلوه، وصحة ما دونوه... ولم أكن كالخابط في ظلماء الليالي، ولا كمن يجمع الحصباء واللآلي) (66).
فكم بين هذا وبين ما قاله الطبري في ديباجته؟!
فالطبري لم يوثق ما نقله، بل على العكس علم أن فيه ما يستنكر ويستشنع لما فيه من مجانبة الصواب، فقدم عذره إلى قراءة بأن هذا قد أتى من رواته لا منه هو، وجعل وسيلته إلى هذا العذر أن ذكر الأسانيد كاملة ليقف القارئ عليها فيأخذ بروايات الصادقين والممدوحين، ويترك روايات الكذابين والمتروكين.
أما ابن الأثير فقد أتى على تلك الأسانيد فحذفها، ثم حكم بصحة كل ما ورائها، معللا ذلك بأن الطبري قد رواها في تاريخه، والطبري إمام لا شك في علمه وصدقه!!
إن هذا لفادح من الأمور...