* ومع حذر الطبري الشديد وتمسكه بتلك النقاط لم ينج من أولئك العامة، فقد اتهموه بمناصرة الشيعة! فكيف بنيت إذن ثقافة العامة؟!
منهاج التدوين ومعالم الثقافة:
سير الصحابة ومناقبهم هي القضية الحاسمة في هوية التاريخ..
فمنذ أن ظهر الاختلاف بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت هذه القضية المحور الأهم في محاور الخلاف... وما زالت تنمو حتى بلغت أوجها في عهد معاوية بن أبي سفيان.
وأهم من ذلك أنه في هذا العهد وضعت اللبنات الأولى لهذه المرحلة من مراحل التدوين. فلم تشأ السياسة آنذاك أن تدع الثقافة تجري بعيدا عن سلطانها، بل بسطت عليها سلطانها كما بسطته على شؤون الإدارة والأجناد، فرسمت لها مسارا لا تتعداه.
وقد تمت معالم هذا المسار مبكرا على يد معاوية بن أبي سفيان، الذي كان قد أنجز منها شوطا هاما في حدود سلطانه أيام ولايته على الشام..
ولقد حفظ لنا التاريخ ذلك في نصوص شهد لها الواقع بجزئياته، نقلت عن أئمة ثقات كالإمام محمد الباقر عليه السلام، والمدائني، ونفطويه.
واتفقت هذه النصوص في وصف الخلاصة التي تمثل هوية هذا المسار الجديد، فيما كان حديث المدائني معنيا بتحديد المراحل التي اتبعت في ذلك، فقال:
* كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: (أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته).
هذه هي الخطوة الأولى من خطوات هذا المشروع، أن يمنع التحدث بسيرة علي وأهل البيت عليهم السلام وفضائلهم، لئلا تنقل إلى العامة فتدخل في ثقافتهم وعقائدهم.