(في هذه السنة - سنة 30 ه - كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية، وإشخاص معاوية إياه (58)، أمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها، فأما العاذرون لمعاوية فإنهم ذكروا في ذلك قصة كتب بها إلي السري يذكر أن شعيبا حدثه سيف...).
ويسرد الطبري هذه القصة مرددا بين فقراتها (قال سيف) (قال سيف) حتى أتى على آخرها، ثم قال: (وأما الآخرون فإنهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة وأمورا شنيعة كرهت ذكرها) (59)!
إذن لا شئ عن هذا الحدث الحاسم الذي يكشف كثيرا من أسرار التاريخ، لا شئ عنه في هذه الموسوعة التاريخية الكبرى إلا ما يرويه المتزندق سيف، وينقله عنه راويته المجهول شعيب، ولا شئ بعد ذلك، فهؤلاء هم العاذرون معاوية، وأما الآخرون فلا بد من وضع الأكف على أفواههم، فالطبري يكره ذكر أخبارهم!
ترى لماذا نسي الطبري منهجه في الرواية؟!
ألم يقرر في مقدمته أنه يروي ما بلغه، ثم إذا كان فيه ضعف أو خلاف للواقع فالعهدة فيه على الناقلين، لا عليه؟!
فلماذا إذن تجنب رواية الطرف الآخر وكره ذكرها، ألم يكن الأولى أن يذكرها أيضا ثم يترك الأمر من بعده لأهل التمحيص فينظروا أي الروايتين أحسن إسنادا وأولى بالاعتماد؟!
ربما يظهر من كلام الطبري أن رواية هذا الطرف - العاذرين أبا ذر - قد حوت أمورا شنيعة، ولذا كره ذكرها، ولم تكن رواية سيف كذلك.
لكن هذا العذر مردود بأمرين: