جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعه العامة! (63) وهذا كلام صريح بأن أذهان العامة قد شحنت بثقافة منحازة، وقد تعصبت لها كثيرا فهي لا تحتمل سماع ما يناقضها وإن كان هو الحق.
إن عبارة الطبري هذه تحدد لنا بوضوح ما عناه ابن هشام حين حذف أشياء من سيرة ابن إسحاق فقال عنها: (يسوء بعض الناس ذكره)!
فما هي معالم هذه الثقافة التي شحنت بها أذهان العامة؟
لقد تقدمت نبذ من ذلك عند ذكر كتاب أبان بن عثمان الذي خرقه سليمان بن عبد الملك لما فيه من ذكر للأنصار، وفي حديث خالد القسري لابن شهاب حين طلب منه أن يكتب المغازي شريطة أن لا يأتي لعلي عليه السلام بذكر إلا أن يجده في قعر جهنم! وفي حديث الزهري عن كاتب الكتاب يوم الحديبية: لو سألت بني أمية لقالوا هو عثمان!
وسنأتي على مزيد من معالم تلك الثقافة في فقرة لاحقة أعددناها لهذا الغرض، بعنوان (منهاج التدوين).
مؤرخون على أثر الطبري:
وجاء المؤرخون اللاحقون من أصحاب التصانيف الكبيرة في التاريخ فاقتفوا أثر الطبري حذو القذة بالقذة (64)، فلم يقتصروا على اعتماده مصدرا وحيدا لتلك الحقبة من التاريخ، بل اجتهدوا في توثيقه إلى أبعد الحدود، غافلين عن أسانيده التي كانت في أغلب ما يخص هذه الحقبة الحساسة من أوهى الأسانيد وأبعدها عن دواعي القبول، فألبسوا الطبري ما أراد أن يتبرأ منه من تبعات ذلك!