ثانيا: مع مصادر القسم الثاني:
وأهمها - كما قدمنا - هو تاريخ الطبري الموسوم ب: تاريخ الأمم والملوك.
فكيف تعامل الطبري مع الأحداث، وبالخصوص ما يتصل منها بمواضع النزاع المذهبي وإرضاء الرأي العام أو إسخاطه.
النقاط التالية ستقدم لنا الجواب الشافي بأكبر قدر ممكن من الإيجاز:
1 - اعتمد الطبري كثيرا من كتب المغازي والسير المتقدمة، وأضاف إليها كثيرا مما سمعه من مشايخه ومن رواة الأخبار، فأسند رواياته غالبا، ونسبها إلى مصدرها أحيانا، وخروجا من العهدة فقد ذكر ذلك في مقدمته، ثم قال:
فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا (53).
لقد دافع بعبارته هذه عن نفسه، لا عن الحقيقة التاريخية... فهو برئ مما جاء في بعض مروياته من تهافت أو مناقضة للحقيقة، وإنما التبعة في ذلك على الرواة.
وإذا كان وجه العذر في أنه حين عرف بالأسانيد فقد ترك الطريق واضحا أمام الدارسين ليعرفوا الصحيح منه، ويعرفوا الضعيف والباطل المفترى كذلك من خلال معرفة حال الرواة، وهو أمر قد أصبح هينا بعد إحكام علم الجرح والتعديل، إذا كان هذا هو وجه العذر فلا شك أنه وجه صحيح لم تم كما أراد له صاحبه.