مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٤ - الصفحة ٨٨
خاطر عن مخايل الرشد ماطر، وعين الله إذا انهلت فيه عزالي الأنواء أن يخضر رباه، ويفوح رياه، ولا للساري في مسالك نهج البلاغة أن يحمد عند الصباح سراه، ولا لمجيل قداح الطهارة إذا صدقه رائد التوفيق والإلهام أن يفوز بقدحي المعلى والرقيب، ويمتطي غوارب كل حظ ونصيب.
ولا شك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان باب مدينة العلوم، فما تقول في سقط انفض من زند خاطره الواري، وغيض بدا من فيض نهره الجاري، لا بل في شعلة من سراجه الوهاج، وغرفة من بحره المواج، وقطرة من سحاب علمه الغزير، ولا ينبئك مثل خبير.
والسيد الإمام الرضي - رحمه الله - ناظم تلك العقود، وقاطف هذا العنقود... وأنا أقول: ما ظنك بكلام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام، وهو كلام إذا لحظه الطرف رأى حقائق العلم المكنون، وإذا تصفحه الخاطر جنى ثمرات السر المخزون، حتى قال عمرو بن بحر الجاحظ: وددت أني أعطيت جميع مصنفاتي، وقطعت أنسابها عني، وأخذت بدلها ثلاث كلمات منسوبة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصارت منسوبة إلي...
وقال في ص 99 بعد شرح قوله عليه السلام: " ولا يحمد حامد إلا ربه.. ":
وأقول: في وصف هذا الكلام: هذا كلام يجري مجرى السحر الحلال، ويرتفع درجته عن نعوت الكمال، كأنه اليواقيت في النظام، أو مواقيت الأعياد في الأيام، لفظ أحسن من عطفة الأصداغ، وبلاغة كالأمل أذن بالبلاغ، وأمثال كأنها حديقة الأحداق وبضاعة الحذاق، يضحك معاني تلك الألفاظ شعور الأدب ضحك الأزاهير غب بكاء السحاب، كأنها لآلىء السمط أو أشعة السقط، وكان الصبح يتنفس عن نسيمها، والدر يبسم عن نظيمها، ولا غرو، فإن قائلها استقى من منابع المصطفى عليه السلام، وجذب العلم
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست