مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٤ - الصفحة ٩٢
حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب...
ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنه لا يجارى في الفصاحة، ولا يبارى في البلاغة، وحسبك أنه لم يدون لأحد من فصحاء الصحابة العشر، ولا نصف العشر مما دون له، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب " البيان والتبيين " وفي غيره من كتبه...
وقال في ج 16 ص 145 عند كلامه على كتابه عليه السلام إلى عبد الله بن عباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر:
أنظر إلى الفصاحة كيف تعطي هذا الرجل قيادها، وتملكه زمامها، واعجب لهذه الألفاظ المنصوبة يتلو بعضها بعضا كيف تواتيه وتطاوعه، سلسة سهلة تتدفق من غير تعسف ولا تكلف، حتى انتهى إلى آخر الفصل فقال:
"... يوما واحدا، ولا ألتقي بهم أبدا "، وأنت وغيرك من الفصحاء إذا شرعوا في كتاب أو خطبة جاءت القرائن والفواصل تارة مرفوعة، وتارة مجرورة، وتارة منصوبة، فإن أرادوا قسرها بإعراب واحد ظهر منها في التكلف أثر بين، وعلامة واضحة، وهذا الصنف من البيان أحد أنواع الاعجاز في القرآن، ذكره عبد القاهر، قال: انظر إلى سورة النساء وبعدها سورة المائدة، الأولى منصوبة الفواصل، والثانية ليس فيها منصوب أصلا، ولو مزجت إحدى السورتين بالأخرى لم تمتزجا، وظهر أثر التركيب والتأليف بينهما.
ثم إن فواصل كل واحد منهما تنساق سياقة بمقتضى البيان الطبيعي لا الصناعة التكلفية.
ثم انظر إلى الصفات والموصوفات في هذا الفصل، كيف قال: " ولدا ناصحا "، و " عاملا كادحا "، و " سيفا قاطعا "، و " ركنا دافعا "، لو قال: " ولدا كادحا " و " عاملا ناصحا " وكذلك ما بعده لما كان صوابا، ولا في الموقع واقعا، فسبحان الله من منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة والخصائص الشريفة! أن
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»
الفهرست