منعطفا مهما في تأريخ نمو تطور المعرفة البشرية.
وفي ضوء ذلك يمكن أن يقال بتعقيب آخر لأزمنة تطور المعرفة، تكون لحظة ولادة كل واحد من هذه الأمور الثلاثة، هي بداية تأريخ كل زمان من الأزمنة الثلاثة لتطور المعرفة وتراكمها.
الطباعة الطباعة وسيلة مرنة ومتطورة لاستيعاب الانتاج المعرفي للإنسان وحفظه، واكتشاف الإنسان لها كان يمثل المحطة الثالثة والأخيرة - كما ألمحنا سلفا - في رحلة توثيق وتخزين المعارف والفنون، بعد اكتشاف الإنسان للكتابة، والورق فيما بعد.
إن ظهور الطباعة وحلولها بالتدريج محل عملية النسخ اليدوي، انتقل بالكتابة إلى مرحلة متقدمة، جعلتها تتحرك بسرعة كبيرة لتصل إلى كل مكان، حتى أضحى الكتاب أحد أكثر السلع تداولا بين الناس، وباتت المعرفة أمرا مشاعا، يستطيع أن يتلقاها أي فرد مباشرة من الكتاب، بعد أن كانت مقتصرة على طائفة خاصة.
لقد شكل اختراع الطباعة أساسا متينا للثورة المعرفية، وتطور حركة البحث العلمي، وتجسير عملية الاتصال والتواصل الحضاري والمثاقفة بين المجتمعات، وبسبب شيوع الطباعة تداعت تلك الأسوار العتيدة التي كانت تحيط بها المجتمعات سابقا عقائدها، وتقاليدها، وتراثها، حيث تسلل الكتاب هذه الأسوار، وعبر كل الحواجز، فاخترقت المجتمعات من خلال الكتب بسهولة، حتى انتهى العالم أخيرا إلى منطقة واحدة، لما يسرته الطباعة من الاتصال، وكذلك وسائل الاتصال الأخرى.