مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢١ - الصفحة ١٣
ومكانية، وماله من أثر عقائدي وتاريخي، وبعد اجتماعي سياسي، في مصير الدولة الإسلامية ومستقبلها، في الفترة التي أعقبت عصر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
فهو آخر اجتماع عظيم ضم الرسول وأمته، في وداع أخير بعد العودة من حجة الوداع، ولا بد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، يستغل هذه الفرصة النادرة، ليبث فيه إلى الأمة أعمق شجونه، وأحزان قلبه، وتطلعاته، ويؤكد لهم على آخر وصاياه ورغباته، من إرشادات هامة، على صعيدي الدنيا والآخرة، ومن الخلافة من بعده، والولاية على الأمة.
وكان أعظم مجمع على الأرض في الإسلام، حيث كان مفترق قوافل الحجاج العائدين من آخر حجة، مع آخر رسول، في رجوعهم من حجة الوداع، حيث اجتمع أكبر عدد من المسلمين المتشوقين لمسايرة ركب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لينالوا من فيض صحبته المباركة في تعظيم شعائر الله في ذلك المنسك التاريخي.
فلا شايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طريق العودة خارجا من مكة إلى المدينة، جمعهم على مفترق الطرق، قبل أن تشتتهم الطرق، وخطب في جمعهم الحاشد، مبلغا ما أنزل إليه من ربه ذلك البلاغ الإلهي، الذي لو لم يفعله لم يكن مبلغا لشئ من الرسالة الإسلامية، على عظمتها، وأبعادها، وأتعابها، ومشاقها، ومآسيها، وأهدافها، وأتراحها، وأفراحها. فذلك البلاغ - إذن - هو البيان الختامي، للرسالة الإسلامية التي صدع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأدائها، فهو جامع لأهم ما في تلك الرسالة من مقومات الوجود والاستمرار ذلك هو بلاغ ولاية الأمير، يوم الغدير، في زمانه ومكانه ومحتواه. ولم يكن الغدير مناسبة مؤقتة محدودة، ولا شعلة مؤججة تؤول إلى الخمود، ولا شمسا بازغة تصير إلى الأفول، ولا برقا يتألق ثم ينطفئ فيعقبه ظلام دامس.
كلا، بل (الغدير) منطلق لأمواج، النور على حياة البشرية، امتدادا للفجر الإسلامي، الذي ليس له ضحى، ولا ظهر، ولا عصر، ولا ليل.
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»
الفهرست