وهذا كله مبني على وهم خاطئ، مصدره تلك النصوص التي عرفنا عدم حجيتها، وعدم قابليتها لإثبات تلك الدعوى!
وبنفس الأسلوب يدعي أن هشاما اعتنق مذهب جهم بن صفوان، ويستند إلى نصوص من مناقشات، ولكن المؤلف لم يلاحظ فيها شيئا، ويقول:
فهشام، إذن، من دعاة الجهمية، ناظر على طريقتها، متحمسا لها (155).
ويستند أخيرا إلى الشبه الموجود بين بعض آراء هشام وبين آراء الجهمية، التي ذكرها مؤلفو كتب الفرق، ويقول: من البعيد أن يكون ذلك عفوا واتفاقا (156).
ولا بد أن نسأله هنا. بماذا يفسر الاختلاف بين هشام وبين جهم في آرائه الأخرى؟! هل يعتبرها عفوا أو اتفاقا؟!
مع أن الموارد التي ادعى موافقة هشام لجهم فيها، والتي تمثل بها كشاهد على دعواه، ليس الأمر فيها كما زعم، بل هناك مخالفة بين رأييهما لم يدقق فيه المؤلف، فقد ادعى - نقلا عن مقالات الإسلاميين، للأشعري، ص 108 - أن هشاما نسب إليه القول: " بأن الله لا يجوز أن يعلم الشئ قبل خلقه، وأن الأشياء لا تعلم قبل كونها... " ثم يقول: وهذا الرأي نفسه للجهم (157).
أقول: هب أن هشاما يوافق الجهم إلى هذا الحد، لكن هل تنتهي المسألة إلى هنا؟ كلا، بل، إن هشاما يخالف جهما في نهاية المسألة نفسها: فجهم يدعي فيها:
" أن علم الله محدث، هو أحدثه، فعلم به، وأنه غير الله " (158).
لكن هشاما يقول: إن الله يعلم الأشياء بعلم، وأن العلم صفة له، ليست هي هو، ولا غيره، ولا بعضه، ولا يجوز (159) أن يقال في العلم: " إنه محدث أو قديم " لأنه