مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٩ - الصفحة ٢٠٤
تخالف مسحا مجازا واستعارة، وليس هو على الحقيقة، ولا يجوز لنا أن نصرف كلام الله تعالى عن حقائق ظاهرة إلا بحجة صارفة.
فإن قال: ما تنكرون من أن يكون جر الأرجل في القراءة إنما هو لأجل المجاورة لا للنسق، فإن العرب قد تعرب الاسم بإعراب ما جاوره، كقولهم. جحر ضب خرب، فجروا خربا لمجاورته لضب، وإن كان في الحقيقة صفة للجحر لا للضب.
فتكون كذلك الأرجل، إنما جرت لمجاورتها في الذكر لمجرور وهو الرؤوس، قال امرؤ القيس (30):
كأن ثبيرا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل (31) فجر مزملا لمجاورته لبجاد، وإن كان من صفات الكبير، لا من صفات البجاد، فتكون الأرجل على هذا مغسولة، وإن كانت مجرورة.
قلنا: هذا باطل من وجوه:

(٣٠) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث، أشهر شعراء العرب، يماني الأصل، نجدي المولد، من شعرا " المعلقات، توفي في سنة ٨٠ ق ه‍.
طبقات فحول الشعراء ١: ٥٢، و ٨٢، خزانة الأدب ١: ٣٢٩، شرح ابن أبي الحديد ٩: ٢٤٤.
(٣١) المعنى العام للبيت: كأن ثبيرا في أوائل مطر هذا السحاب سيد أناس، قد تلفف بكساء مخطط، شبه تغطيته بالغثاء بتغطي هذا الرجل بالكساء، وقد جر " مزمل " صفة لكبير، وكان حقها الرفع، وإنما خفض لمجاورته لبجاد عند بعض العلماء، ولأناس عند بعضهم وهو المرجح، وقال أبو علي الفارسي: إنه ليس علي الخفض بالجوار، بل جعل مزملا صفة حقيقية لبجاد، قال: لأنه أراد " مزمل فيه " ثم حذف حرف الجر فارتفع الضير واستتر في اسم المفعول، كما أن الاقواء جار على ألسنتهم، فيمكن أن يكون حرف الروي مرفوعا وجر إقواء، كما قال النابغة الذبياني:
زغم البوارح أن رحلتنا غدا * وبذاك حدثنا الغراب الأسود لا مرحبا بغد ولا أهلا به * إن كان توديع الأحبة في غد مغني اللبيب ٢: ٦٦٩ و ٨٩٥. ديران امرئ القيس: ٦٢، المعلقات العشر: ٩٢، خزانة الأدب ٥: ٩٨، لسان العرب ١٢: ١٧٧.
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»
الفهرست