مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٩ - الصفحة ٢٠١
التجوز من غير ضرورة تلجئ إلى ذلك، وفيه إيقاع اللبس، وربما صرف المعنى عن مراد القائل.
ألا ترى أن رئيسا لو أقبل على صاحب له فقال له: أكرم زيدا وعمرا، وأضرب خالدا وبكرا، لكان الواجب على الصاحب أن يميز بين الجملتين من الكلام، ويعلم أنه ابتدأ في كل واحدة منهما ابتداء عطف باقي الجملة عليه دون غيره، وأن بكرا في الجملة الثانية معطوف على خالد، كما أن عمرا في الجملة الأولى مطوف على زيد، ولو ذهب هذا المأمور إلى أن بكرا معطوف على عمرو لكان قد انصرف عن الحقيقة ومفهوم الكلام في ظاهره، وتعسف تعسفا صرف به الأمر عن مراد الآمر به، فأداه ذلك إلى إكرام من أمر بضربه.
ووجه آخر: وهو أن القراءة بنصب الأرجل غير موجبة أن تكون معطوفة على الأيدي، بل تكون معطوفة على الرؤوس في المعنى دون اللفظ، لأن موضع الرؤوس نصب بوقوع الفعل الذي هو المسح، وإنما انجرت بعارض وهو الباء.
والعطف على الموضع دون اللفظ جائز مستعمل في لغة العرب (21)، ألا تراهم يقولون: مررت بزيد وعمرا، ولست بقائم ولا قاعدا؟ قال الشاعر:
معاري إننا بشر فأسجح (22) فلسنا بالجبال ولا الحديدا (23)

(٢١) من ذلك قول تأبط شرا - وهو من شواهد سيبويه -:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق فعطف " عبد " على محل " دينار " وكان حقه الجر، إلا أنه نصبه عطفا على الموضع، لأن التقدير " باعث دينارا " ومثله كثير.
الكتاب ١: ٦٧، ١٧١، خزانة الأدب ٨: ٢١٥، الحجة للقراء السبعة ٣: ٢١٥، التفسير الكبير - للفخر الرازي - ١١: ١٦١، كنز العرفان ١: ١٢.
(٢٢) أسجح: أرفق. " الصحاح - سجح - ١: ٣٧٢ ".
(٢٣) البيت لعقبة بن الحارث الأسدي، وهو من شواهد سيبويه، احتج به في نسق الاسم المنصوب على المخفوض، وتبعه في ذلك الزجاج، والبيت الذي يليه:
أديروها بنو حرب عليكم ولا ترموا بها الغرض البعيدا الإنصاف في مسائل الخلاف: ٣٣٢، الكتاب ١: ٦٧، العقد الفريد ١: ٥٠، مغني اللبيب ٢: ٦٢١،. شرح شواهد المغني ٢: ٨٧٠، خزانة الأدب ٢: ٢٦٠.
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»
الفهرست