إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما * تكرهت منه طال عتبي على الدهر وصيرني يأسي من الناس راجيا * لكثرة عفو الله من حيث لا أدري (97)
(٩٧) في هامش المخطوط: " أنشد هذه حاضر مولى يحيى بن عبد الله بن حسن، ولها قصة ".
قلت: والقصة، كما في مقاتل الطالبيين 425 - 427، هي:
... حدثنا محمد بن أبي العتاهية قال: حدثني أبي:
لما امتنعت من قول الشعر وتركته أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم، فأخرجت من بين يديه إلى الحبس، فلما أدخلته دهشت وذهل عقلي، ورأيت منظرا هالني، فرميت بطرفي أطلب موضعا آوي إليه أو رجلا آنس بمجالسته، فإذا أنا بكهل حسن السمت، نظيف الثوب، يبين عليه سيماء الخير، فقصدته فجلست إليه من غير أن أسلم عليه أو أسأله عن شئ من أمره، لما أنا فيه من الجزع والحيرة، فمكثت كذلك مليا وأنا مطرق مفكر في حالي، فأنشد هذا الرجل هذين البيتين فقال:
تعودت مس الضر حتى ألفته * وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر وصيرني يأسي من الناس واثقا * بحسن صنيع الله من حيث لا أدري فاستحسنت البيتين وتبركت بهما وثاب إلي عقلي، فأقبلت على الرجل فقلت له: تفضل - أعزك الله - بإعادة هذين البيتين.
فقال لي: ويحك يا إسماعيل - ولم يكنني - ما أسوأ أدبك، وأقل عقلك ومروءتك، دخلت إلي ولم تسلم على بتسليم المسلم على المسلم، ولا توجعت لي توجع المبتلى للمبتلى، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم، حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيرا ولا أدبا، ولا جعل لك معاشا غيره، لم تتذكر ما سلف منك فتتلافاه، ولا اعتذرت مما قدمته وفرطت فيه من الحق حتى استنشدتني مبتديا، كأن بيننا أنسا قديما، ومعرفة شافية، وصحبة تبسط المنقبض!
فقلت له: اعذرني متفضلا، فإن دون ما أنا فيه يدهش.
قال: وفي أي شئ أنت، إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم، فحبسوك حتى تقوله، وأنت لا بد من أن تقوله فتطلق، وأنا يدعى بي الساعة فأطالب بإحضار عيسى بن زيد ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن دللت عليه فقتل لقيت الله بدمه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) خصمي فيه، وإلا قتلت، فأن أولى بالحيرة منك، وأنت ترى احتسابي وصبري.
فقلت: يكفيك الله، وأطرقت خجلا منه.
فقال لي: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع، اسمع البيتين واحفظهما. فأعادهما علي مرارا حتى حفظتهما. ثم دعي به وبي، فلما قمنا قلت: من أنت أعزك الله؟
قال: أنا حاضر صاحب عيسى بن زيد.
فأدخلنا على المهدي، فلما وقف بين يديه قال له: أين عيسى بن زيد؟.
قال: ما يدريني أين عيسى، طلبته وأخفته فهرب منك في البلاد، وأخذتني فحبستني، فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس؟!
فقال له: فأين كان متواريا؟ ومتى آخر عهدك به؟ وعند من لقيته؟
فقال: ما لقيته منذ توارى، ولا أعرف له خبرا.
قال: والله لتدلني عليه، أو لأضربن عنقك الساعة. قال: اصنع ما بدا لك، أنا أدلك على ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتقتله، فألقى الله ورسوله وهما يطالباني بدمه! والله لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه.
قال: اضربوا عنقه. فقدم فضرب عنقه.
ثم دعاني فقال: أتقول الشعر أو ألحقك به.
فقلت: بل أقول الشعر.
فقال: أطلقوه.