الراوي بالمعنى عارفا لمعنى الحديث واقفا على أسراره وجميع خصوصياته.
قال العاملي: إنما جوزناه لمن يفهم الألفاظ ويعرف خواصها ومقاصدها ويعلم عدم اختلال المراد منها فيما أداه...
وإذا لم يكن المحدث عالما بحقائق الألفاظ ومجازاتها ومنطوقها ومفهومها ومقاصدها، خبيرا بما يحيل إليه معانيها، لم تجز له الرواية بالمعنى بغير خلاف، بل يتعين اللفظ الذي سمعه إذا تحققه، وإلا لم تجز له الرواية (23).
وهذا يعني أن رواية الحديث بالمعنى لا تجوز إلا لمن كان واعيا متحققا مما يسمع، فطنا متنبها لما يتحمل ويؤدي، فيتعين عليه أداء اللفظ إن لم يصب المعنى، وإن أصاب المعنى وكان أهلا لذلك لمعرفته بأسرار اللغة، وخواصها، ومرادفاتها، ومشتركها في مفرداتها، وخصائص تراكيبها، جاز له الرواية بالمعنى.
وأجمع العلماء كلهم على أنه لا يجوز للجاهل بمعنى ما ينقل أن يروي الحديث على المعنى (24).
ومع هذا الشرط فلا يرد على تجويز الرواية بالمعنى ما توهمه بعض المغرضين من أن ذلك يؤدي إلى تجويزه لجميع الرواة في كل الطبقات، وذلك يقتضي - بعد تغيير الألفاظ في جميع الطبقات - إلى سقوط الكلام الأول، لأن ذلك لا ينفك عن تفاوت - وإن قل - وإذا توالت التفاوتات، كان التفاوت الأخير فاحشا (25).
فإن التجويز خاص بالمقتدرين على درك المعاني وأداء جميع خصوصياتها بالدقة المذكورة، ومن المعلوم أن ذلك كان خاصا بالطبقة الأولى، حيث كانت اللغة سليمة، وكانت السلائق على طبيعتها غير مشوبة، فلم يصب الحديث من نقلهم بالمعنى وبألفاظ أخرى خلل أصلا، ولم نحتمل في ما نقلوه