المسلمين آنذاك كانت عليه مهمة الحفاظ على سلامة القرآن الكريم من اللحن، وبما أن الأسود كان مرجعا للخلفاء والولاة في القيام بمثل المهام التي تمس اللغة العربية - نتيجة لثرائه في اللغة ولذكائه ومستواه الثقافي - فأعطى الإمام - عليه السلام - مهمة وضع هذه القواعد لأبي الأسود بعد أن مهد له الطريق بوضع بعض القواعد الأساسية ليسير على ضوئها ويواصل البحث من خلالها، وقد سار أبو الأسود في هذا الدرب الذي رسمه الإمام - عليه السلام - وواصل البحث فيه بصورة أشمل فاكتشف بعض المسائل والأبواب النحوية التي ترتبط وثيقا بشيوع اللحن، أي أن المجال الذي يشيع فيه اللحن كان يدفع أبا الأسود للبحث والنظر فيه حتى بأخذ فكرة عامة عنه، وبسيطة بدائية لا فكرة مفصلة متطورة كالتي نراها اليوم في الكتب النحوية، ولذلك قلنا: إن النحو الذي وضعه أبو الأسود كان بدائيا بسيطا، ويقتصر على أبواب قليلة دعت إليها الحاجة وضرورة محاربة شيوع اللحن فيها خاصة.
والدليل على هذا الرأي: تواتر الروايات، وتضافر الآراء، وكثير من الرواة قريبو العهد بعصر الإمام - عليه السلام -.
وقد احتمل البعض اكتساب النحو من الحضارات الأجنبية، ولم يتم مثل هذا الاتصال الوثيق بالثقافات الأجنبية إلا في زمن متأخر من عصر الإمام - عليه السلام -.
ولا يمكن أن يكون الاكتساب من النحو اليوناني، لأن النحو العربي كان موجودا قيل ترجمة الكتب اليونانية، ولأنه يختلف في طبيعته عن النحو اليوناني.
وكذلك لا يمكن أن يكون مكتسبا من النحو العبري، لأن مرحلة نشأته متأخرة عن النحو العربي.
إذا فلا بد أن يكون الاكتساب من النحو السرياني - على القول بأنه سبق النحو العربي في وضعه - لوجود السريانيين في المجتمع الإسلامي آنذاك، ونتيجة لاحتكاك المثقفين من العرب بهم انتقل النحو منها.