ولو لم تكن الآية من القرآن حقيقة - بحسب تلك الأحاديث - لما أثبتاها، ولما قال أبو موسى ذلك.
وقد جعل الشوكاني هذه الآية مثالا للقسم الخامس من الأقسام الستة حسب تقسيمه للنسخ، وهو: " ما نسخ رسمه لا كلمه ولا يعلم الناسخ له ".
و " السادس: ناسخ صار منسوخا وليس بينهما لفظ متلو ".
ثم قال: " قال ابن السمعاني: وعندي أن القسمين الأخيرين - أي الخامس والسادس - تكلف، وليس يتحقق فيهما النسخ " (85).
ورأينا قول أبي بن كعب لزر بن حبيش في سورة الأحزاب: " قد رأيتها، وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة... فرفع ما رفع ".
فهل كان أبي يقصد من قوله: " فرفع ما رفع " ما نسخت تلاوته؟!
ورأينا قول عبد الرحمن بن عوف لعمر بن الخطاب حين سأله عن آية الجهاد: " أسقطت فيما أسقط من القرآن " فسكت عمر، الأمر الذي يدل على قبوله ذلك.
فهل يعبر عما نسخت تلاوته ب " أسقطت فيما أسقط من القرآن "؟!
ورأينا قول عائشة بأن آية الرضاع كانت مما يقرأ من القرآن بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله - وأنها كانت في رقعة تحت سريرها... فهل كانت تعني ما نسخت تلاوته؟ ومتى كان النسخ؟
وهنا قال أبو جعفر النحاس: " فتنازع العلماء هذا الحديث لما فيه من الإشكال، فمنهم من تركه وهو مالك بن أنس - وهو راوي الحديث -، ولم يروه عن عبد الله سواه، وقال: رضعة واحدة تحرم، وأخذ بظاهر القرآن، قال الله تعالى:
(وأخواتكم من الرضاعة)، وممن تركه: أحمد بن حنبل وأبو ثور، قالا: يحرم ثلاث رضعات لقول النبي - صلى الله عليه وآله -: (لا تحرم المصة ولا المصتان).
قال أبو جعفر: وفي هذا الحديث لفظة شديدة الإشكال وهو قولها (فتوفي