والإخراج، وسهولة أمر الاصدار والنشر.
لكن إذا كانت الكتب المطبوعة على الحجر قديما أو المخطوطة باليد أقل تصحيفا وتحريفا وخطأ مما يقدمه المحققون (!) فخير لها ولنا أن تبقى على حالها ولا حاجة إلى تحقيقها بهذا الشكل المزري، ما دام هؤلاء لا يقومون بواجباتهم الصحيحة في تقديم الكتاب المحقق.
فليس عملهم مجديا ولا مغنيا لعدم الوثق بنسخهم، وعدم تمامية أعمالهم، فالحاجة لا زالت باقية إلى النسخ القديمة، مضافا إلى ما فيها من إغراء الناس بالجهل، وما فيها من ابتزاز أموال الناس بمنشوراتهم الباهظة الثمن.
وقد يعذر أولئك المتصدون للتحقيق، بأن من هو جدير بالتحقيق لم يقم به، واللوم على هؤلاء، لا أولئك.
وعلى كل حال، فالذي أقدمه نصيحة متواضعة لأولئك وهؤلاء جميعا: أن يعوا ما نحن عليه من تأخر في هذا المجال عن ركب الحضارة الهادر.
وأفضل الطرق: أن لا يقدم أحد من أولئك على تحقيق ما لم يستوعبه من العلوم والمعارف، فمن لا يعرف الفقه لا يحق له أن يحقق كتابا فقهيا، ومن لم يطلع على الرجال لا يجوز له أن يحقق كتابا في علم الرجال، ومن لم يدرس علم الدراية لا يسوغ له أن يحقق كتابا في هذا العلم، وهكذا.
والرجاء من هؤلاء العلماء أن يدركوا صعوبة المهمة وخطورة هفواتها، ويعلموا أنها ملقاة على عواتقهم، فليسدوا بإقدامهم الطريق على من ليس أهلا لذلك، وإذا لم يسعهم ذلك فليكونوا في عون أولئك المتصدين الذين لا زالت عيدانهم غضة في العلم، والذين يتوقون للعمل في هذا المجال.
وليعلم أولئك الناشئون في أمر التحقيق أن الإقدام على هذا العمل الخطير ليس مدعاة لعرض العضلات، كما أن الاكثار من عدد الكتب المحققة - من غير تحقيق! - ليس مفخرة تذكر إذا قيست بالهفوات والزلات والأخطاء وما تجره على العلم والعلماء من الويلات، وإنما هي الأمانة الملقاة على الإنسان ليتحملها الأقدر والأليق، ويجهد على أدائها الأعرف والأعلم، وفاء بحق العلم، وإحياء لآثار العلماء، ومحافظة على التراث العزيز من الفناء.