على أن نسبة شئ إلى المؤلف - أي مؤلف كان - مما لم يقله ولم يضع كتابه عليه، أمر قبيح عقلا، بل شرعا، إذا أدى إلى نقص فيه أو إزراء به.
فالهفوة - وإن كانت صغيرة - لكنها في هذا العمل تكون خطيرة، لأنها تقلب المعنى، وتهدم صوابه، وتشوه روعته.
ومن هنا كان اهتمام القدماء بالضبط، واعتباره واحدا من أهم الشروط اللازم توفرها في الرواة والعلماء الثقات، وقد قرروا لذلك قواعد متينة، وأسسوا له أسسا رصينة، لا مجال في هذا المقال لذكر تفاصيلها (1)، اعتقادا منهم بأهمية ذلك، بل اهتم ثلة من محققيهم بأمر ضبط النصوص، وتحقيق المتون، كالفقيه العظيم الشيخ ابن إدريس الحلي (ت 598 ه) فإنه ضبط وقابل مجموعة كبيرة من مؤلفات القدماء.
ومن هنا يعلم أن ذلك ليس سهل التناول إلا لمن تمرس في العلم وكانت له قدم راسخة فيه، وخاصة في موضوع الكتاب الذي يريد تحقيقه، وبالأخص آراء المؤلف لذلك الكتاب حتى لا تفوته النكات الخفية، والأساليب الخاصة التي ربما يستعملها المؤلف في خطه أو فنه، والاصطلاحات التي ربما يتداولها في إملائه وإنشائه، وغير ذلك.
هذا، مضافا إلى الثقافة العامة في العلوم الإسلامية من أدب وتأريخ وخط، التي لا بد للمحقق أن يتمتع بقسط وافر منها.
فالتحقيق - على هذا - ليس إلا من عمل العلماء المتمرسين والنابهين المتفوقين.
ولكن، من المؤسف جدا أن نجد تدني أمر هذا العمل المهم إلى حد واطئ، بحيث يعتبر أمرا سطحيا، لا يقوم به إلا بعض من لا تحصيل له، ولم يقطع مرحلة دراسية كافية، فأكثر من يزاوله لم يحصلوا مرحلة " السطح " - على الأقل - وهذا من هوان العلم على أهله، أن يتصدى لمثل هذه المهمة الصعبة الخطيرة من ليس لها أهلا، ولا محلا.
ولأجل ذلك قد يحسن في النظر الرأي القائل بمنع هؤلاء من التعرض للتراث، ولزوم معارضة التحقيق المذكور، بأنه يؤدي إلى تشويه النصوص وتضييع الجهود، مضافا إلى الإساءة إلى سمعة العلم والعلماء، بالرغم من جودة الطباعة