مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦ - الصفحة ٦٦
الفعل. وينتقش صورة في شمع، عما ليس له تلك الصورة وشئ يفيد كمالا فوق الذي له، فيجب أن تخرج هذه القوة إلى الفعل بشئ من العقول المفارقة المذكورة، أما كلها، وأما الأقرب إليها في المرتبة، وهو العقل الفعال.
وكل واحد من العقول المفارقة عقل فعال، لكن الأقرب منا عقل فعال بالقياس إلينا. ومعنى كونه فعالا أنه في نفسه عقل بالفعل، لا أن فيه شيئا هو قابل للصورة المعقولة، كما هو عندنا، ولا أن فيه شيئا هو كمال، بل ذاته صورة عقلية قائمة بنفسها، وليس فيها شئ مما هو بالقوة، ومما هو مادة البتة. فهي عقل وتعقل ذاتها، لأن ذاتها أحد الموجودات، فهي عقل لذاته ومعقول، لأنها موجودات من الموجودات المفارقة للمادة، فلا يفارق كونها عقلا كونها معقولا، ولا كونها هذا العقل كونها هذا المعقول. فأما عقولنا فيفترق فيها ذات، لأن فيها ما بالقوة. فهذا أحد معاني كونه عقلا فعالا.
وهو أيضا عقل فعال بسبب فعله في أنفسنا وإخراجه إياها عن القوة إلى الفعل.
وقياس العقل الفعال إلى أنفسنا قياس الشمس إلى أبصارنا، وقياس ما يستفاد منه الضوء المخرج للحس من الحس بالقوة إلى الحس بالفعل، والمحسوس بالقوة إلى المحسوس بالفعل " (5).
أقول: القول بقبول النفس الصور المحسوسة والمعقولة غير مقبول في الحكمة المتعالية، لأنه مبني على أن النفس تنفعل عن صور المحسوسات والمعقولات، وأما الحكمة المتعالية فحاكمة بأن النفس تنشئ الصور في مرحلة، وأخرى على النحو الذي فوق الانشاء على ما هو مقرر في محله، ومعلوم لأهله، وقد استوفينا البحث عنه في كتابنا " دروس اتحاد العاقل بالمعقول ".
واعلم أن في المقام وجها آخر دقيقا جدا في معنى العقل فعال - يرزق بنيله من وفق له - وهو ما أفاده المتأله السبزواري بقوله:
" في دفع إشكال صيرورة العقل الهيولاني عقلا بالفعل، من أن الحقيقة المحمدية عند أهل الذوق من المتشرعة وصلت في عروجها إلى العقل الفعال وتجاوزت

(٥) المبدأ والمعاد: ٩٨، الطبعة الأولى
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست