مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦ - الصفحة ٦٣
على الأمور الذهنية بأحكام ذهنية كقولنا: الإمكان مقابل للامتناع، لم تجب مطابقته لما في الخارج إذ ليس في الخارج إمكان وامتناع متقابلان، ولا في الخارج إنسان ممكن.
إذا تقرر هذا فنقول: الحكم الصحيح في هذين القسمين لا يمكن أن يكون باعتبار مطابقته لما في الخارج، لما تقدم من أن الحكم ليس مأخوذا بالقياس إلى الخارج، ولا باعتبار مطابقته لما في الذهن، لأن الذهن قد يتصور الكواذب، فإنا قد نتصور كون الإنسان واجبا مع أنه ممكن.
فلو كان صدق الحكم باعتبار مطابقته لما في الذهن، لكان الحكم بوجوب الإنسان صادقا، لأن له صورة ذهنية مطابقة لهذا الحكم، بل يكون باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر.
وقد كان في بعض أوقات استفادتي منه - رحمه الله - جرت هذه النكتة، وسألته عنه معنى قولهم: إن الصادق في الأحكام الذهنية هو باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر، والمعقول من نفس الأمر إما الثبوت الذهني أو الخارجي، وقد منع كل منهما ها هنا.
فقال - رحمه الله -: " المراد بنفس الأمر هو العقل الفعال، فكل صورة أو حكم ثابت في الذهن مطابق للصور المنتقشة في العقل الفعال، فهو صادق، وإلا فهو كاذب ".
فأوردت عليه أن الحكماء يلزمهم القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل الفعال، لأنهم استدلوا على ثبوته بالفرق بين النسيان والسهو، فإن السهو هو زوال الصورة المعقولة عن الجوهر العاقل، وارتسامها في الحافظ لها، والنسيان هو زوالها عنهما معا، وهذا يتأتى في الصور المحسوسة، أما المعقولة فإن سبب النسيان هو زوال الاستعداد بزوال المفيد للعلم في باب التصورات والتصديقات، وهاتان الحالتان قد تعرضان في الأحكام الكاذبة، فلم يأت فيه بمقنع.
وهذا البحث ليس من هذا المقام، وإنما انجر الكلام إليه، وهو بحث شريف لا يوجد في الكتب.
فنقول: الأمر في معرفة نفس الأمر مبتن على أمور:
أحدها: مرادهم من كلمتي النفس والأمر، وغرضهم من الإضافة، وتركيب
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»
الفهرست