عبد الحميد بن يحيى بن سعيد - الكاتب البليغ المشهور - كان كاتب مروان بن الحكم الأموي آخر ملوك بني أمية، وبه يضرب المثل في البلاغة حتى قيل: فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد. وكان في الكتابة وفي كل فن من العلم والأدب إماما، وعنه أخذ المترسلون ولطريقته لزموا ولآثاره اقتفوا. وهو الذي سهل سبيل البلاغة في الترسل. ومجموع رسائله مقدار ألف ورقة. وهو أول من أطال الرسائل، واستعمل التحميدات في فصول الكتاب، فاستعمل الكتاب ذلك بعده، قال: (حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت) ويعني بالأصلع أمير المؤمنين عليا عليه السلام ".
وهذا ابن نباتة منشئ الخطبة المنامية، الذي قال فيه ابن خلكان أيضا في الوفيات: " أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة صاحب الخطب المشهورة كان إماما في علوم الأدب، ورزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عمل مثلها. وفيها دلالة على غزارة علمه وجودة قريحته، قال: (حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب) وتوفي ابن نباتة سنة 394 ه. وهو من أساتذة الشريف الرضي ".
وهذا أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي البصري، المعروف بالجاحظ، العالم المشهور، صاحب التصانيف في كل فن، كما وصفه بذلك ابن خلكان في الوفيات أيضا وقد تقدم ذكره. ومن تصانيفه كتاب " البيان والتبيين " وهذا الكتاب هو أحد الكتب الأربعة التي هي أئمة الكتب الأدبية، والثلاثة الأخرى هي الأمالي للقالي، وأدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري، والكامل للمبرد. ومن كلامه في البيان والتبيين ما هذا لفظه: " قال علي رحمه الله: (قيمة كل امرئ ما يحسن) فلو لم نقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية، ومجزئة مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية، وغير مقصرة عن الغاية. وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه. وكان الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله " (2).
ومن تصانيف الجاحظ رسالة حافلة اشتملت على مائة كلمة من كلمات