(5) فصل من رسالة الشريف أبي الحسين الموسوي رحمة الله عليه:
وإذا كنت - أدام الله عزك - لا ترع العلائق الواشجة، ولا تجيب الأرحام المناشدة، ولا تتعطف بالأسباب العواطف، ولا تهتز للأعراق الضوارب، وأنت أنت في كمال البصائر والتجارب، وسداد الآراء والعزائم، فأين موضع السكن التي عسا (1) عودها، ونبا (2) على العواجم عمودها، واعتقبتها الأيام رافعة وخافضة، وتداولتها الخطوب رائشة (3) وناهضة (4).
وإنما تكون آراء ذي السن الغالب أسد وأصوب، وعزائمه أنفذ وأدرب، وأفعاله مستضيئة لشعاع الحزم الثاقب، ومتنكبة عن ظلم الهوى الغالب، لأن الزمان قد يجده (5) بطول صحبته، وأخلصه بطوارئ خيره وشره، وغالبه ثم دان له، وخاشنه ثم لاينه، فأفاده ارتياء في المشكلات، ووقوفا عند الشبهات، واستشفاء للعواقب، ونظرا من الموارد إلى المصادر، اطلاعا على مجاني الغروس قبل إيراقها، ومحاصد الزروع قبل إطلاعها، فهو أبدا مغالب عزمه بحزمه، ومستعبد هواه لرأيه، وأخلق به ألا تنشط عقاله الحوادث، ولا تزلق قدمه النوائب، ولا يسري إلا على منار، ولا ينقاد إلا بأزمة الاستبصار، ولا يرمي إلا على إشارات التوفيق، ولا يحذو إلا على مثل الرأي الأنيق (6).