وقد " يسميه الأدباء النايحة الثكلى لرقة شعره... ويقال: أشعر قريش. قلت:
معناه أنه ليس لقرشي كثرة جيدة " (3).
قال الخطيب البغدادي: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ - وكان أحد الرؤساء - يقول: سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون: الرضي أشعر قريش. فقال ابن محفوظ: هذا صحيح. وقد كان في قريش من يجيد القول إلا أن شعره قليل، فأما مجيد مكثر فليس إلا الرضي (4).
نعم " إن شعر الشريف الرضي - وإن يكن قديم الأسلوب - ظاهر البلاغة، عالي النفس مديده، قوي النسج، واضح التعابير، فيه متانة وسهولة ورصانة، تظهر فيه شخصية صاحبه، شخصية نبيلة عزيزة النفس أبيه طموح، وقلما قرأت له قصيدة - في أي نوع من أنواع الشعر - إلا أحسست فيها روح الفخر وشكوى الزمان والشيب " (5).
من طريف ما صنعه أديب متذوق من أدباء القرن الخامس الهجري، أن أجرى مفاضلة بين شاعرين فحلين لهما شهرة وصيت في عالم الأدب العربي في تلك الحقبة الزمنية وما تلتها من الأحقاب، هما الشريف الرضي محمد بن الحسين الموسوي البغدادي والقاضي أبو أحمد منصور بن محمد الأزدي الهروي، شاعرا العراق وخراسان وفحلا القطرين المتسابقين في حلبة الأدب.
قدم أديبنا الذواقة قصيدة رائية للرضي وقصيدة دالية للهروي، معتذرا عن عدم وقوفه على قصيدتين لهما من قافية واحدة في غرض مشترك حتى تتم عناصر المفاضلة بين الشاعرين، فاختار هاتين القصيدتين وقدمهما للمفاضلة بين الشاعرين لأنه يعلم أن الأديب يستدل بمباني الكلام ومعانيه وصيغة ألفاظه على درجة الشاعر، ويميز بين المتقدم الفاضل عن المتأخر المفضول.
أما الأديب الذي أجرى المفاضلة وأتحفنا بهذه الدرة اليتيمة من هو؟
فهذا سؤال لم نهتد إلى جوابه، إلا أنه يبدو من تقديمه المقتضب للقصيدتين رفيع أدبه