(4) من المخمس (1) فصول الشريف الرضي فصل: وأما فلان فما عندي أنك تقرب عرضه إلا شاما صادفا (2) وذائقا باصقا، فأما أن تجعله لوكة لفيك وعرضة لقوافيك، فتلك حال أرفعك عن الإسعاف إليها والرضا بها، واجل سهمك أن يصيب غير غرضه وحدك أن يطبق غير مفصله، فما كل رمية تصرد (3) فيها النبال ولا كل فريسة تنشب فيها الأظفار.
فصل: قد كاد الرسول يا أخي وسيدي - أطال الله بقائك - من كثرة الترداد تتظلم قدماه، وكاد المرسل من امتداد الطرف لانتظاره تزور عيناه، فلا تجعل للوم طريقا إليك ولا للعتاب متسلقا عليك، وكن مع مواصلتك إلبا على مقاطعتك وأحمل لمفارقتك كثيرا على مباعدتك، فإن ذلك أحصف لمعاقد العهود وأعطف لتآلف القلوب.
فصل: إن رأى الشريف - أطال الله بقاءه - أن يلقي إلي طرفا من حال سلامته، وما جدده الله تعالى من حسم شكايته، فحرام على جنبي الهدوء إذا نبا جنبه ومحصن عن عيني الرقاد إذا سهر طرفه، لأن النفس واحدة وإن اقتسمها جسمان واستهم فيها جسدان، ولست أشك في هزيمة الداء ونقيصة الألم لما أجده من سكون النفس وطمأنينة القلب، ولو كان غير ذلك لقلقت نفسي لقلق قسيمتها وتألمت مهجتي لألم مساهمتها، والله يقيه ويقيني فيه الأسواء بمنه وقدرته إن شاء.
فصل: وراودت نفسي في إنفاذ رسول إليه يسأله الحضور، ثم أضربت عزيمة الرأي خوفا من إزعاجه في مثل هذا الوقت، ولئلا ينسبني إلى نقض الشرائط وفسخ العهود اللوازم، لأنه يشارطني في ليلة يومنا هذا في داره، وكان عزمي في الإنفاذ إليه بين رأيين، جاذب إلى أمام، وممسك إلى وراء، فالجاذب يحضه السوق ويحرضه النزاع إلى رؤيته