في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢١٥
وها نحن نذكر نماذج من تلك الكلمات ليتضح الحال:
أ - يقول العسقلاني: إنما صور أوائلهم الصور ليستأنسوا بها، ويتذكروا أفعالهم الصالحة، فيجتهدوا كاجتهادهم وثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فحذر النبي عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك.
إلى أن يقول: قال البيضاوي لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانا، لعنهم (1)، ومنع المسلمين عن مثل ذلك.
فأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا للتعظيم ولا للتوجه نحوه، فلا يدخل في الوعيد المذكور (2).
ب - ويقول النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء: إنما نهى النبي عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتنان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية. ولما احتاجت الصحابة والتابعون إلى زيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة مدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويعود المحذور.

(١) أي لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١: ٥٢٥ ط دار المعرفة، وقريب منه ما في إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ٢: ٤٣٧ باب بناء المساجد على القبور.
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»