ومن خالف من المسلمين إنما خالف لأجل أمر آخر حيث قالوا: إن هذه حجر قصيرة السقوف وسقوفها جريدة النخل وحياطها من اللبن، وعلى أبوابها المسوح وتركها على حالها أولى لينظر الحجاج والزوار والمسافرون إلى بيوت النبي فينتفعون بذلك ويعتبرون به ويكون ذلك أدعى لهم إلى الزهد في الدنيا، فلا يعمرون إلا بقدر الحاجة وهو ما يستر ويكن ويعرفون أن البنيان العالي إنما هو من أفعال الفراعنة والأكاسرة وكل طويل الأمل راغب في الدنيا، وفي الخلود فيها (1).
فإذا كان هذا العمل بمرأى ومنظر من فقهاء المدينة العشرة، والمسلمين عامة وفي مقدم التابعين منهم الإمام " علي بن الحسين " المعروف بالسجاد وابنه الإمام محمد بن علي الباقر اللذين لم يشك أحد في زهدهما وعلمها وعرفانهما بالكتاب والسنة، أفلا يكون ذلك دليلا على جواز إقامة المسجد على القبور والصلاة فيه إلى جنبها من دون أن يخطر ببال أحد أن النبي نهى عنه، أو يخطر ببال أحد أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
نعم إن هذا دليل قاطع على جواز هذا العمل ولهذا لما واجه ابن تيمية هذا الموقف الواضح من المسلمين في هذا المجال حاول إسقاطه عن الحجية والاعتبار بقوله: إن ذلك كان بعد موت عامة الصحابة - رضي الله عنهم - ولم يكن بقي في المدينة منهم أحد (2).
وكرر هذا الكلام كل من جاء بعده من كتاب الوهابية وأعادوه من غير