في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٨٨
أما عقلا، فقد شهدت البراهين العقلية على أن الوجود متحد حقيقة، مختلف مرتبة، فإذا كان كذلك فلا معنى أن يكون الوجود مؤثرا في مرتبة " الواجب " تعالى غير مؤثر في مرتبة " الممكن " ما دام الوجود كما قلنا متحد حقيقة، وإنما هو مختلف في الرتبة. ولهذا فإن من يدعي تأثير الله من دون تسبب من الأسباب يقول ذلك بلسانه وقلبه مؤمن بخلافه.
وأما كتابا، فإن الذكر الحكيم ملئ بالآيات الصريحة بتأثير العلل والعوامل الطبيعية في آثارها، وقد أوردنا بعض هذه الآيات في ذيل مبحث الشرك في العبادة.
والحاصل أن هناك فرقا واضحا بين القول بأن الله هو المؤثر المباشر في كل شئ، والقول بأنه هو المؤثر الأصيل عن طريق جعل الأسباب، فمثلا هو سبحانه المخرج للثمرات من الأشجار لكن بسبب الماء (1)، فالله سبحانه هو المؤثر التام والقيوم المطلق، الذي يقوم به كل شئ، ويؤثر به كل شئ، وأما غيره فإن وجوده وتأثيره وأثره بإرادته وإذنه سبحانه، وهذا هو حقيقة التوحيد والخالقية، وقد أوضحنا مراتب التوحيد في محله (2).

(١) إشارة إلى قوله سبحانه: * (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) *.
(٢) لاحظ مفاهيم القرآن الجزء الأول، وهي من تأليف الأستاذ العلامة السبحاني بقلم الكاتب.
(١٨٨)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»