علم إلهي أنجيك وأنجي نفسي وقومي به، علم أميز به الحق من الباطل وأشخص به الصراط المستقيم، فيا أبتي اتبعني لكي أوصلك إلى تلك الحقيقة التي من أجلها خلقنا، فيا لها من رسالة تدعو إلى الطريق السوي ولا تنسى العاطفة، تدعو إلى الله ولا تنسى الظروف الاجتماعية التي تحيط بقوم إبراهيم لما هم عليه من احترام الأب وإطاعته في كل ما يقول ويأمر حقا كان أو باطلا، ثم ترقى إبراهيم مع أباه في سلم الهداية فقال له * (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) * (1) حدد لأبيه الوسيلة التي تنقذه ألا وهي ترك عبادة الشيطان وبين له وظيفة هذا الملعون المطرود من رحمة الله في هذه الدنيا وما هي إلا الإغواء والضلال عن الطريق المستقيم، فأطلق إبراهيم (عليه السلام) كلمة الشيطان لتشمل كل ما هو مبعد عن عبادة الله، فالأصنام شيطان والجهل شيطان، ثم قال له * (يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا) * (2) خوف ألم بإبراهيم وملئ قلبه على أبيه الذي يدعوه برقة وحنية، خوف لم يستطيع إبراهيم أن يكتمه، ويكتفي بأن يدعو إلى الله فقط، خوف مشوق لآزر لينظم إلى إبراهيم وينجو من العذاب، فهذه دعوة إبراهيم لأبيه، دعوة إلى الخلاص، إلى الأمن والسلام والاطمئنان.
هذه هي وسائل إبراهيم في دعوة أباه إلى الله، وسائل امتزجت بها العواطف مع الأفكار وامتزجت بها الحقائق مع المشاعر لتؤلف مزيجا فريدا من نوعه وأسلوبا جديدا في التبليغ الرسالي الذي ينتهي بالوصول إليه تعالى والفوز برضوانه.
إلى هنا أكمل إبراهيم واستفرغ وسعه في تبليغ أباه بصوت الحق والعدالة وضل ينتظر بفارغ الصبر جواب أبيه على ذلك خصوصا أن إبراهيم (عليه السلام) أبدى لأبيه خوفا عليه وهذا الخوف لم يكن من عاطفة خالية من أي تفكر بل هو خوف من قوة يعرفها إبراهيم جيدا ويعرف مدى غضبها وانتقامها من الكافرين.
جواب آزر لإبراهيم * (قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم، لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) * (3).