رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٦٧
هو القضاء بالموت (1).
ووجه الضعف ما عرفت من أن التأبيد على قسمين، غير محدد ومحدد بإطار خاص، ومن المعلوم أن قوله سبحانه (ولن يتمنونه) ناظر إلى التأبيد في الإطار الذي اتخذه المتكلم ظرفا لكلامه وهو الحياة الدنيا، فالمجرمون ما داموا في الحياة الدنيا لا يتمنون الموت أبدا، لعلمهم بأن الله سبحانه بعد موتهم يقدمهم للحساب والجزاء، ولأجل ذلك لا يتمنوه أبدا قط.
وأما تمنيهم الموت بعد ورودهم العذاب الأليم فلم يكن داخلا في مفهوم الآية الأولى حتى يعد التمني مناقضا للتأبيد.
ومن ذلك يظهر وهن كلام آخر وهو: أنه ربما يقال: إن لن لا تدل على الدوام والاستمرار بشهادة قوله: (إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) إذ لو كانت (لن) تفيد تأبيد النفي لوقع التعارض بينها وبين كلمة (اليوم) لأن اليوم محدد معين، وتأبيد النفي غير محدد ولا معين، ومثله قوله سبحانه على لسان ولد يعقوب: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي) (يوسف / 80) حيث حدد بقاءه في الأرض بصدور الإذن من أبيه (2).
وجه الوهن: أن التأبيد في كلام النحاة ليس مساويا للمعدوم المطلق، بل المقصود هو النفي القاطع الذي لا يشق، والنفي القاطع الذي لا يكسر ولا يشق على قسمين:

(1) الرازي، مفاتيح الغيب 14: 227.
(2) عباس حسن، النحو الوافي 4: 281 كما في كتاب رؤية الله للدكتور أحمد بن ناصر.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»