رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٦٨
تارة يكون الكلام غير محدد بظرف خاص ولا تدل عليه قرينة حالية ولا مقالية فعندئذ يساوق التأبيد المعدوم المطلق.
وأخرى يكون الكلام محددا بزمان حسب القرائن اللفظية والمثالية، فيكون التأبيد محددا بهذا الظرف أيضا، ومعنى قول مريم: (فلن أكلم اليوم إنسيا) (مريم / 26) هو النفي القاطع في هذا الإطار، ولا ينافي تكلمها بعد هذا اليوم.
والحاصل: أن ما أثير من الإشكال في المقام ناشئ من عدم الإمعان فيما ذكرنا من الأمرين، فتارة حسبوا أن المراد من التأبيد هو الاستحالة فأوردوا بأنه ربما يكون المدخول أمرا ممكنا كما في قوله: (فقل لن تخرجوا معي أبدا) (التوبة / 83)، وأخرى حسبوا أن التأبيد يلازم النفي والمعدوم المطلق، فناقشوا بالآيات الماضية التي لم يكن النفي فيها نفيا مطلقا، ولو أنهم وقفوا على ما ذكرنا من الأمرين لسكتوا عن هذه الاعتراضات.
وبما أنه سبحانه لم يتخذ لنفي رؤيته ظرفا خاصا، فسيكون مدلوله عدم تحقق الرؤية أبدا لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.
والحاصل: أن الآية صريحة في عدم احتمال الطبيعة البشرية لذلك الأمر الجلل، ولذلك أمره أن ينظر إلى الجبل عند تجليه، فلما اندك الجبل خر موسى مغشيا عليه من الذعر، ولو كان عدم الرؤية مختصا بالحياة الدنيا لما احتاج إلى هذا التفصيل، بل كان في وسعه سبحانه أن يقول: لا تراني في الدنيا ولكن تراني في الآخرة فاصبر حتى يأتيك وقته، والإنسان مهما بلغ كمالا في الآخرة فهو لا يخرج عن طبيعته التي
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»