رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣٥
وهذا أمر تحكم به الضرورة وإنكاره مكابرة واضحة، فإذا كانت ماهية الرؤية هي ما ذكرناه فلا يمكن تحققها فيما إذا تنزه الشئ عن المقابلة أو الحلول في المقابل.
وبعبارة واضحة: أن العقل والنقل اتفقا على كونه سبحانه ليس بجسم ولا جسماني ولا في جهة، والرؤية فرع كون الشئ في جهة خاصة، وما شأنه هذا لا يتعلق إلا بالمحسوس لا بالمجرد.
ثم إن الرازي أراد الخدش في هذا الأمر البديهي ولكنه رجع خائبا، واعترض على هذا الاستدلال بوجهين:
الأول: أن ادعاء الضرورة والبداهة على امتناع رؤية الموجود المنزه عن المكان والجهة أمر باطل، لأنه لو كان بديهيا لكان متفقا عليه بين العقلاء، وهذا غير متفق عليه بينهم، فلا يكون بديهيا، ولذلك لو عرضنا قضية أن الواحد نصف الاثنين لا يختلف فيه اثنان، وليست القضية الأولى في البداهة في قوة القضية الثانية (1).
يلاحظ عليه: بأنه خفى على الرازي بأن للبداهة مراتب مختلفة، فكون نور القمر مستفادا من الشمس قضية بديهية، ولكن أين هذه البداهة من بداهة قولنا:
الواحد نصف الاثنين، أضف إلى ذلك أن العقلاء متفقون على لزوم المقابلة أو حكمها على تحقق الرؤية، وإنما خالف فيه أمثال من خالف القضايا البديهية كالسوفسطائيين، حيث ارتابوا في وجودهم وعلومهم وأفعالهم مع أنهم كانوا يعدون من

(1) الرازي، الأربعون: 190; ولاحظ أيضا مفاتيح الغيب 13: 130.
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»