رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣٨
1 - الرؤية بلا كيف:
هذا العنوان هو الذي يجده القارئ في كتب الأشاعرة، وربما يعبر عنه خصومهم بالبلكفة، ومعناه أن الله تعالى يرى بلا كيف وأن المؤمنين في الجنة يرونه بلا كيف، أي منزها عن المقابلة والجهة والمكان.
يلاحظ عليه: أن تمني الرؤية بلا مقابلة ولا جهة ولا مكان، أشبه برسم أسد بلا رأس ولا ذنب على جسم بطل، فالرؤية التي لا يكون المرئي فيها مقابلا للرائي ولا متحققا في مكان ولا متحيزا في جهة كيف تكون رؤيته بالعيون والأبصار.
والحق أن اعتماد الأشاعرة على أهل الحديث في قولهم بلا كيف مهزلة لا يعتمد عليها، فإن الكيفية ربما تكون من مقومات الشئ، ولولاها لما كان له أثر، فمثلا عندما يقولون: إن لله يدا ورجلا وعينا وسمعا بلا كيف ويصرحون بوجود واقعيات هذه الصفات حسب معانيها اللغوية لكن بلا كيفية، فإنه يلاحظ عليه، بأن اليد في اللغة العربية وضعت للجارحة حسب ما لها من الكيفية، فإثبات اليد لله بالمعنى اللغوي مع حذف الكيفية، يكون مساويا لنفي معناه اللغوي، ويكون راجعا إلى تفسيره بالمعاني المجازية التي تفرون منها فرار المزكوم من المسك، ومثله القدم والوجه.
وبعبارة أخرى: أن الحنابلة والأشاعرة يصرون على أن الصفات الخبرية، كاليد والرجل والقدم والوجه، في الكتاب والسنة، يجب أن تفسر بنفس معانيها اللغوية، ولا يجوز لنا حملها على معانيها المجازية، كالقدرة في اليد مثلا، ولما رأوا أن ذلك يلازم التجسيم التجأوا
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»