رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٣٢
يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) (1).
* * * التاسع: إن للشيخ الجصاص الحنفي (م / 370) كلاما رائعا في تفسير قوله سبحانه: (لا تدركه الأبصار) وقد فسر الروايات الدالة على الرؤية بالعلم الضروري الذي لا يشوبه شبهة ولا تعرض فيه الشكوك، ولأجل إيقاف القارئ على كلام ذلك المفسر الكبير الذي هو من السلف الصالح نذكر نص كلامه:
قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) يقال: إن الادراك أصله اللحوق، نحو قولك: أدرك زمان المنصور، وأدرك أبا حنيفة، وأدرك الطعام، أي لحق حال النضج، وأدرك الزرع والثمرة، وأدرك الغلام إذا لحق حال الرجال، وإدراك البصر للشئ لحوقه له برؤيته إياه، لأنه لا خلاف بين أهل اللغة إن قال القائل أدركت ببصري شخصا معناه: رأيته ببصري، ولا يجوز أن يكون الادراك الإحاطة، لأن البيت محيط بما فيه وليس مدركا له، فقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) معناه: لا تراه الأبصار، وهذا بمدح ينفي رؤية الأبصار كقوله تعالى: (لا تأخذه سنة ولا نوم) وما تمدح الله بنفيه عن نفسه فإن إثبات ضده ذم ونقص فغير جائز إثبات نقيضه بحال، كما لو بطل استحقاق الصفة بلا تأخذه سنة ولا نوم لم يبطل إلا إلى صفة نقص، فلما تمدح بنفي رؤية البصر عنه لم يجز إثبات ضده ونقيضه بحال، إذ كان فيه _

(١) النووي، شرح صحيح مسلم ٣: ٨.
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 » »»