دراسات في العقيدة الإسلامية - محمد جعفر شمس الدين - الصفحة ٩٦
ولذا نبذته الأوساط الفلسفية والمدارس العلمية على حد سواء، إلا أنه لا بد لنا من وقفة قصيرة، نحاكم فيها هذا المنطق، تمشيا مع مقتضيات المنهجية والموضوعية، اللتين تفرضهما الروح العلمية وذلك ضمن عدة نقاط:
أولا: إننا لا نفهم، كيف يمكن للمصادفة، التي تعني الفوضى واللا قصد، والتشويش، أن تنتج هذا النظام الدقيق، والتناسق المذهل، اللذين نراهما يطلان علينا من خلال كل مظاهر هذا الكون المحيط بنا؟ وهذا الجمال الرائع الذي يطالعنا، فيدخل على نفوسنا الغبطة والسرور، وهل يعقل لفاقد كل ذلك أن يعطيه؟
إن معنى النظام تأليف الكثير لتحقيق غاية معقولة قبل تحقيقها ومن البديهي أن المعقول يحتاج إلى عقل يوجد فيه والمصادفة غير عاقلة.
وسوف نعود إلى هذه النقطة بالذات، لنحللها بعد قليل.
ثانيا: إن نفس منطق القائلين بالمصادفة، يستبطن إقرارا وإذعانا بمبدأ العلية والسببية. وذلك لأنهم يفترضون وجودا سابقا لجرم الشمس، ووجودا سابقا لفضاء لا نهائي، وزمان كذلك، كان مجالا لسبح الشمس والكتلة الهائلة من الذرات قبل اصطدامهما، يفترضون كل هذه الأمور القبلية، ليرتبوا بعد ذلك موضوع التصادم الذي يتسبب عنه - في زعمهم - هذا الكون المادي.
وما مبعث ذلك في اعتقادي، إلا نفور عقولهم، من تقبل فكرة مسبب بلا سبب، ومعلول بلا علة -، أي بالمصادفة - وإلا لكان باستطاعة هؤلاء، أن يدعوا من رأس، أن هذا الكون، وجد كما هو عليه من أول الأمر، من دون حاجة أو لجوء إلى
(٩٦)
مفاتيح البحث: البعث، الإنبعاث (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 92 93 95 96 97 98 99 101 102 ... » »»