ولماذا يتعب نفسه في صناعة الحرير - مثلا - ما دام باستطاعته الحصول على أجود أنواعه وأرقاها حتى من الصين؟
ولماذا يتعب نفسه في اصطياد حيوان المسك، للحصول على عطره، ما دام قادرا على جلب أرقى عطور الهند؟.
بل لماذا يتعب نفسه في تعديل الأوتار وضربها، أو دراسة الأصوات ومعرفة أصولها، وهز الأرداف وتعلم فنون الرقص، أو النحت أو الرسم؟ ما دام بإمكانه الحصول بما أوتي من ثروة - على استقدام أشهر مغني فارس ومغنياتها وراقصاتها ونحاتيها ورساميها.
يتضح من كل ذلك، أن حياة الترف والنعيم، التي كان يعيشها المسلمون في بغداد - عاصمة الخلافة - آنذاك، قد أعمتهم عن التطلعات نحو الابتكار وشلتهم عن الخلق، فآل أمرهم إلى اضطراب في شتى مناحي حياتهم المختلفة اجتماعيا واقتصاديا وفنيا وصناعيا وفكريا...
علم الكلام ودعوى سببيته لسد باب الاجتهاد:
وأما ما ادعاه هؤلاء المنتقدون من أن علم الكلام، قد أدى إلى سد باب الاجتهاد، فيتضح عدم دقته بمجرد أن نطلع على الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه المحنة التي أصابت الأمة في الصميم، في أواخر القرن الرابع الهجري.
وتلك الأسباب - كما يذكرها الأستاذ عبد الوهاب خلاف (1) - على نحو الإجمال هي: