التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٧
كانت معبودات وقد جعلت حصب جهنم. ولو أمعنت في الآيات التي وردت فيها لفظ الإله والآلهة لقدرت على استظهار ما اخترناه. وإليك موردا منها في قوله تعالى:
(فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين) (الحج - 34).
فلو فسر الإله في الآية بالمعبود لزم الكذب، إذ المفروض تعدد المعبود في المجتمع البشري، ولأجل هذا ربما يقيد الإله هنا بلفظ " الحق " أي المعبود الحق إله واحد. ولو فسرناه بالمعنى البسيط الذي له آثار في الكون من التدبير والتصرف وإيصال النفع، ودفع الضر على نحو الاستقلال لصح حصر الإله - بهذا المعنى - في واحد بلا حاجة إلى تقدير كلمة بيانية محذوفة إذ من المعلوم أنه لا إله في الحياة البشرية والمجتمع البشري يتصف بهذه الصفات التي ذكرناها.
ولا نريد أن نقول: إن لفظ الإله بمعنى الخالق المدبر المحيي المميت الشفيع الغافر، إذ لا يتبادر من لفظ الإله إلا المعنى البسيط. بل هذه الصفات عناوين تشير إلى المعنى وضع له لفظ الإله. ومعلوم أن كون هذه الصفات عناوين مشيرة إلى ذلك المعنى البسيط، غير كونها معنى موضوعا للفظ المذكور كما أن كونه تعالى ذات سلطة على العالم كله أو بعضه سلطة مستقلة غير معتمدة على غيره، وصف مشير إلى المعنى البسيط الذي نتلقاه من لفظ الإله، لا أنه نفس معناه.
إلى هنا - أيها القارئ الكريم - قد وقفت على معنى الإله، والألوهية، وأنه ليس الإله بمعنى المعبود، بل المراد منه هو المراد من لفظة " الله " لا غير، إلا أن أحدهما علم، والآخر كلي.
يبقى أن نقف على معنى الرب والربوبية التي يكثر ورودها في كلمات الوهابيين فنقول:
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»