التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٣٧
ثانيا: أن البحث في المقام إنما هو عن تحديد التوحيد والشرك ولا عن كون العمل مفيدا أو غيره أو بدعة، وغير بدعة فكل ذلك خارج عن بحثنا، أضف إلى ذلك أنه قد ثبت في محله مشروعية التوسل بالأرواح المقدسة بالدلائل النقلية الصريحة (1).
وعلى كل حال لا يمكن اعتبار الاستغاثة بالميت شركا إذ لم يفوض ملاك التوحيد والشرك إلينا بل الميزان في الشرك هو الاعتقاد باستقلال الفاعل في ذاته وفعله والتوجه به كذلك. كما أن الاعتقاد بعدم استقلاله في ذاته وصفاته وأفعاله يعد اعترافا بعبوديته ويعد التوجه به تكريما واحتراما. ولو تناسينا هذه القاعدة لما وجد على أديم الأرض موحدا أبدا.
وفيما يلي نلفت نظر القارئ الكريم إلى كلام لتلميذ ابن تيمية في هذا المجال.
يقول ابن القيم:
" ومن أنواع الشرك طلب الحوائج من الموتى، والاستعانة بهم، والتوجه إليهم.
وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا " (2).
وما ذكره من الدليل لا يثبت مدعاه لأن قوله: " فإن الميت قد انقطع عمله " دليل على عدم فائدة الاستغاثة بالميت، وليس دليلا على كونها شركا، وهو لم يفرق بين الأمرين، والأغرب من ذلك قوله: " ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا " إذ لا فرق في ذلك بين الحي والميت، فلا يملك أحد ضرا لنفسه ولا نفعا بدون إذن الله وإرادته، سواء أكان حيا، أم ميتا. ومع الإذن الإلهي يملكون النفع والضر، أحياء كانوا أم أمواتا.

(1) راجع رسالتنا: التوسل في ضوء الكتاب والسنة.
(2) فتح المجيد: 68، الطبعة السادسة.
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»