التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٣٠
وليس ذلك إلا لأن الله وراء تلك الأسباب وهي تفعل بأمره وإقداره.
وبكلام آخر أن هذه العلل والأسباب حيث إنها غير مستقلة، لا في وجودها ولا في تأثيرها، بل هي مخلوقة بأسرها وبتمام وجودها، وتأثيرها لله، لذا يصرح القرآن الكريم بأنه سبحانه الهادي في ظلمات البر والبحر والمرسل الرياح ومنزل الغيث من بعد ما قنطوا.
وهذه الحقيقة - بعينها - مبينة بوضوح تام في آيات سورة الواقعة.
إن هذا لا يعني أن القرآن الكريم يتنكر للعلل والأسباب الطبيعية، وينكر وجودها ودخالتها، ويلغي دورها. بل حيث إن هذه العلل والأسباب لا تملك من لدن نفسها استقلالا وتقوم بالله سبحانه قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي بحيث لو قطعت عنها عنايته تعالى آنا ما، انهارت وتهافتت جملة واحدة، وانقلب عالم الوجود مع كل وضوحه إلى ظلام وعدم، لذلك تفنن في تفسير الظواهر الطبيعية تارة بنسبتها إلى الله سبحانه وأخرى إلى سائر العلل والثالثة إليهما معا، قال:
(وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (الأنفال - 17).
* التوسل بالأسباب غير الطبيعية:
إلى هنا تبين أن النظرة إلى الأسباب الطبيعية بلحاظ أنها علل غير مستقلة عين التوحيد، وبلحاظ استقلالها في التأثير عين الشرك، وأما غير الطبيعية من العلل فحكمها حكم الطبيعية، حيث إن التوسل على النحو الأول عين التوحيد وعلى النحو الثاني عين الشرك حرفا بحرف، غير أن الوهابيين جعلوا التوسل بغير الطبيعية من العلل توسلا ممزوجا بالشرك ويقول المودودي في ذلك:
" فالمرء إذا كان أصابه العطش - مثلا - فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»