التحقيق في الإمامة و شؤونها - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ٦١
وأما معناها اصطلاحا: فالعصمة قوة تكوينية في العقل والعلم موهبة من الله لمن شاء من عباده - تمنعهم من اقتراف المعاصي مع قدرتهم عليها، لأنهم ان لم يكونوا قادرين عليها لا فخر ولا فضل لهم في اجتنابها، لأنهم غير قادرين أصلا على اقترافها، وبالإجمال ان الإمام المعصوم لا يترك واجبا أبدا ولا يفعل محرما مطلقا مع قدرته على الترك والفعل وإلا لا يستحق مدحا ولا ثوابا.
والشيعة هي التي تشترط العصمة - بهذا المعنى - في الإمام كما هي شرط في النبوة، قال الشيخ المفيد في كتاب (أوائل المقالات) القول في العصمة: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشرائع وتأديب الأنام - معصومون كعصمة الأنبياء لا تجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة، ولا سهو في شيء من الدين، ولا ينسون شيئا من الأحكام، وعلى هذا مذاهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم (1).
وقال العلامة الحلي في كتابه (نهج الحق) ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت عمدا وسهوا، لأنهم حفظة الشرع، والقوامون به، فحالهم في ذلك كحال النبي، ولأن الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف للمظلوم من الظالم، ورفع الفساد وحسم مادة الفتن، وإن الإمام يمنع القاهرين " أي الظالمين من التعدي، ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات، ويقيم الحدود والفرائض ويؤاخذ الفساق ويعزر من

(١) راجع (أوائل المقالات) للشيخ المفيد ص 76 ط الحيدرية النجف.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»