القول الأول وأدلته أما القول الأول وهو أن المراد من الإمام مطلق من إتخذ إماما وعلى هذا يكون معنى الآيتين، إن كل طائفة من الناس أو فرقة منهم اتخذت إماما لها فبايعته أو اقتدت به في الحياة الدنيا واتبعته تدعى به يوم القيامة سواء كان ذلك الإمام إمام هدى أو إمام ضلالة، واتباعها له في سبيل الحق كان أو في سبيل الباطل، فتدعى تلك الفرقة بإمامها الذي ائتمت به في الحياة الدنيا، وإذا دعي كل أناس بإمامهم فحينئذ من اقتدى منهم بإمام الحق والهدى وقد دعي باسمه ومعه فأولئك يأخذون كتابهم بأيمانهم ويقرؤونه فرحين مستبشرين بالسعادة والنعيم (ولا يظلمون فتيلا (والفتيل هو الحبل الذي يكون في شق النواة، والمعنى لا يظلمون مقدار فتيل بل يوفون أجورهم تامة غير منقوصة، ثم يكونون أخيرا معهم في الجنة.
وأما من اقتدى بغير إمام الحق والهدى فيظهر حينئذ فيه العمى وهو عمى البصيرة الذي كان عليه في الدنيا، قال تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ([الحج / 47]، وظهر عليه في الآخرة، بل يظهر من الآية الكريمة أن عماه في الآخرة يكون أشد من عماه في الدنيا لذا قال: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (أي أكثر عمى وضلالا.
والمعنى ومن كان في هذه الحياة الدنيا لا يعرف إمام الحق ولا يسلك سبيله فهو في الآخرة لا يجد السعادة والفلاح ولا يهتدي إلى المغفرة والرحمة، ويكون أخيرا مع إمام الضلال والباطل في النار.