هذا، فلم يبق في البين ما يصح الاعتماد عليه من السنة إلا ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما: من نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تجصيص القبور والبناء عليها وأن يكتب على القبر.
والجواب عن الرواية: (أولا) أن النهي أعم من الحرمة والكراهة سيما الواقع منه في الأحاديث، (وثانيا) أنها غير معمول بها في شئ من فقراتها الثلاث.
قال محمد بن عبد الهادي الحنفي المعروف بالسندي: أنه قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث في المستدرك: الإسناد صحيح وليس العمل عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب يبكون على قبورهم، وهو شئ أخذه الخلف عن السلف انتهى.
أقول: ومثل الكتابة على القبر البناء عليه، فإن إجماع الأمة فضلا عن الأئمة على البناء على قبور أئمتهم وحفظ مراقدهم عن الاندراس والانطماس حيث يكون الحفظ عندهم شعارا للدين، فلا يعارض الخبر الواحد الظني هذا الإجماع القطعي بين المسلمين.
إقرار النبي على البناء كل ذلك مضافا إلى فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعل من النبيين، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر على بناء الحجر ولم يأمر بهدمه، مع أنه مدفن إسماعيل وأمه هاجر، وكذلك إقراره صلى الله عليه وآله وسلم وإقرار خلفائه الراشدين على بناء قبر إبراهيم الخليل وعلى بناء قبور الأنبياء التي هي حول بيت المقدس.