إطلاقها وشمولها لغيره.
4 - قوله سبحانه: * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * (الروم / 30) فإن قوله: * (فطرت الله) * عطف بيان أو بدل من الدين نصب بفعل مقدر، مثل أعني أو أخص، وإلا لكان الواجب أن يكون مجرورا بحكم البدلية، ولازم ذلك أن تكون معرفته سبحانه أمرا فطريا وخلقيا، لا يقبل القصور كسائر الأحاسيس وإلا مور الوجدانية.
أقول: إن الآية أوضح ما في الباب وهي تدل على عدم وجود القاصر في معرفة الرب وأن للعالم خالقا وصانعا، وأنه واحد لا شريك له في ذاته، وهو أمر لا يقبل القصور، إلا إذا عاند الإنسان فطرته وأنكر وجدانه لغايات مادية، كالإنحلال من القيود الشرعية وغير ذلك، ولأجل ذلك لا يبعد ادعاء عدم وجود القاصر في أصل وجوده وتوحيده، وأما غير ذلك، فلا شك في وجوده خصوصا بالنسبة إلى النبوة والإمامة بين الرجال والنساء، لا سيما في البلاد النائية التي تسيطر عليها الملاحدة.
أضف إلى ذلك: أن كلمة * (حنيفا) * في الآية أصدق شاهد على أن المراد من الدين هو توحيده سبحانه في مقام الإشراك به، والحنيف جمعه الحنفاء هم الموحدون في مقابل المشركين.
وأقصى ما يمكن أن يقال: إن الكبريات الواردة في الدين في مجال الفروع أيضا فطرية، كالدعوة إلى التزويج، وإكرام الوالدين، ورد الأمانة، وحرمة الخيانة، وغيرها من القوانين الجزائية والاقتصادية وغيرهما. ولكن القول به لا يوجب أن لا يوجد في أديم الأرض جاهل قاصر لأن البحث في الأصول لا في الفروع.