الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٣٢٥
الذكر الجهل لا الجحود، فالثاني هو من نتائج الأول، ألا ترى أنه قال * (إن كنتم لا تعلمون) * وجعل غاية السؤال تحصيل العلم بالكتب الإلهية وبراهينها وليس مجرد تحصيل الخبر بأن النبي بشر أو الإيمان اختيار لا جبر فيه. ولا سيما أن التسليم بالحقائق الربانية وإن كان ينفي الجحود، لكن إن لم يحرز صاحبه العلم ببراهينها لكي يعقلها فهذا من الجهل بها. ولذلك فإن الإقرار بها لا يكفي في عملية الإيمان، بل لا بد من فهم المبررات والدلائل مما يستبطنه معنى العلم في قوله * (لا تعلمون) *، وهكذا فإن الأمر بتوجيه السؤال لأهل الذكر قد جاء للذين لا يعلمون، وهذا يشمل المنكر والذي أقر دونما علم، وليس في النص ما يجزم بأن الخطاب خاص بالمشركين، وما إفتراض هذا التخصيص إلا بسبب أن فيها رد على بعض مقولاتهم، لكن هذه المقولات لم تكن خاصة بالمشركين في عصر النزول، ولن تكون كذلك بعده كما هو في علم الله تعالى الذي أنزل آياته للعمل بها إلى يوم الدين، فأما قضية الجبر فلقد ضل بها كثير من أهل الكتاب وسنعود بالإشارة إليه لاحقا، كما أنه اشتبه الأمر فيها على المسلمين، وأما حتمية بشرية المرسلين فلقد اشتبه فيها اليهود في عزير (ع) والنصارى في عيسى (ع). وهكذا فإن الشك بهذه الحقيقة وغيرها أو عدم فهم مبرراتها بوضوح، ليس حصرا على رؤوس الشرك الذين يطلقون مثل هذه المقولات، كما أنه ممكن حتى لسذج المسلمين، وإن إطلاقها من قبل المشركين، له أن يثير تساؤل بعض المسلمين، لا سيما أن الكثير منهم لم يكونوا قد نضجوا في الإيمان لحداثة عهد بالجاهلية، لذلك جاء النص
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»