رسول الله. ثم قال: لولا أن حزن صفية أو تكون سنة بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين رجلا منهم، فأنزل الله تعالى في ذلك آية:
* (فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) *.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نصبر. فصبر وعفا، ونهى عن المثلة.
وأقبلت صفية تطلب أخاها حمزة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابنها الزبير بن العوام: لتردها لئلا ترى ما بأخيها حمزة (عند مصرعه)، فلقيها الزبير فأعلمها بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: إنه بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن. فأعلم الزبير النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك، فقال: خل سبيلها. فأتته وصلت عليه واسترجعت، وكانت صفية شقيقة حمزة لامه وأبيه، كما ذكرنا ذلك آنفا.
وصلى عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الجنائز، فكان كلما اتي بشهيد ليصلي عليه، جعل حمزة معه فيصلي عليهما معا.
ثم أمر (صلى الله عليه وآله) بدفنه بملابسه دون تغسيل أو تكفين، وهي سنة تجهيز الشهداء وإقبارهم، وهكذا فعلوا ببقية الشهداء، وجلس (صلى الله عليه وآله) على حفرته.
ولما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، مر بدار من دور الأنصار، سمع البكاء والنوائح على شهيدهم فذرفت عيناه بالبكاء، وقال: حمزة لا بواكي عليه - أو: له - فرجع سعد بن معاذ إلى دور بني عبد الأشهل فأمر نساء الأنصار أن يذهبن فيبكين على حمزة.
وقال الواقدي - فيما رواه ابن أبي الحديد -: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رضي الله عنكن وعن أولادكن. وقالت أم سعد بن معاذ: فما بكت منا امرأة على ميتها قط