حتى كثر من يجتمع إليه، ويسمع منه.
وحتى في الربذة، منفاه الموحش المقفر، لم تصرفه آلامه وهمومه، ولا ما هو فيه من الاغتراب عن مواطن الإيمان والجهاد، والأصحاب الأخلاء. لم يصرفه ذلك ولم يشغله عن إكمال مسيرته التي بدأت خطاها في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) فظل متمسكا بمبدئه هذا، مناديا به حين تمكنه الفرصة من ذلك، فرصة اللقاء بمن يستمع إليه، ويأخذ منه.
في شرح النهج، عن أبي رافع، قال:
أتيت أبا ذر بالربذة، أودعه، فلما أردت الانصراف قال لي ولأناس معي: ستكون فتنة فاتقوا الله، وعليكم بالشيخ علي بن أبي طالب، فاتبعوه.
والحق أن موقف أبي ذر من مبدأ التشيع كان موقفا مثاليا يجسم لنا كل معان الثبات والصمود، فما كان لتلين له عريكة فيه، ولا لتميل له قناة، لقد كان صلبا قويا، متفانيا في سبيل الحق والعقيدة، وكأنه في موقفه هذا يفسر لنا بيعته