أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٦٦٤
فلا ريب أن اللفظين في الشعر وإن كانا بمعنى الرؤية، ولكن نظر الفقير إلى الغني ليس بمعنى النظر بالعين، بل الصبر والانتظار حتى يعينه.
قال سبحانه: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} (1)، والمراد من قوله: {لا ينظر إليهم} هو طردهم عن ساحته وعدم شمول رحمته لهم وعدم تعطفه عليهم، لا عدم مشاهدته إياهم، لأن رؤيته وعدمها ليس أمرا مطلوبا لهم حتى يهددوا بعدم نظره سبحانه إليهم، بل الذي ينفعهم هو وصول رحمته إليهم، والذي يصح تهديدهم به هو عدم شمول لطفه لهم، فيكون المراد عدم تعطفه إليهم، على أن تفسير قوله {لا ينظر إليهم} ب‍ " لا يراهم " يستلزم الكفر، فإنه سبحانه يرى الجميع {وهو يدرك الأبصار}.
والحاصل: أن النظر إذا أسند إلى العيون يكون المعنى بالمراد الاستعمالي والجدي هو الرؤية على أقسامها، وإذا أسند إلى الشخص كالفقير أو إلى الوجوه فيراد به الرؤية استعمالا والانتظار جدا.
ثم إن لصاحب الكشاف هنا كلمة جيدة، حيث يقول بهذا الصدد: يقال: " أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي " يريد معنى التوقع والرجاء، ومن هذا القبيل قوله:
وإذا نظرت إليك من ملك * والبحر دونك زدتني نعما وقال: سمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقائلهم تقول: عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم، تقصد راجية ومتوقعة لإحسانهم إليها، كما هو معنى قولهم: أنا أنظر إلى الله ثم إليك، وأتوقع فضل الله ثم فضلك (2).

(١) آل عمران: ٧٧.
(2) الزمخشري، الكشاف 3: 294.
(٦٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 659 660 661 662 663 664 665 666 667 668 669 ... » »»