أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٧
للكلام، وأخرج إلى الكرخ وأضيف إليه ثلاث مجانيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديما يحملونها معهم إن قصدوا زيارة الكوفة، فأحرق الجميع (1).
وأخيرا فلعل القارئ الكريم إذا تأمل بتدبر وتأن إلى جملة ما كتب وألف من المراجع التاريخية - وحتى تلك التي كتبت في تلك العصور التي شهدت هذه المجازر المتلاحقة، والتي بلا أدنى شك كان أغلبها يجاري أهواء الأسر الحاكمة آنذاك - فإنه سيجد بوضوح أن بقاء الشيعة حتى هذه الأزمنة من المعاجز والكرامات وخوارق العادات، كيف وإن تاريخهم كان سلسلة من عمليات الذبح، والقتل، والقمع، والاستئصال، والسحق، والإبادة، قد تظافرت قوى الكفر والفسق على إهلاكهم وقطع جذورهم، ومع ذلك فقد كانت لهم دول ودويلات، ومعاهد وكليات، وبلدان وحضارات، وأعلام ومفاخر، وعباقرة وفلاسفة، وفقهاء، ومحدثون، ووزراء وسياسيون، ويؤلفون اليوم خمس المسلمين أو ربعهم.
نعم إن ذلك من فضله سبحانه لتعلق مشيئته على إبقاء الحق وإزهاق الباطل في ظل قيام الشيعة طيلة القرون بواجبها وهو الصمود أمام الظلم، والتضحية والتفدية للمبدأ والمذهب وقد قال سبحانه: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} (2).
ولا يفوتنك أخي القارئ الكريم أن ثوراتهم المتعاقبة على الحكومات الظالمة الفاسدة الخارجة عن حدود الشريعة الإسلامية العظيمة هي التي أدت إلى تشريدهم وقتلهم والفتك بهم، ولو أنهم ساوموا السلطة الأموية والعباسية،

(١) المنتظم ٨: ١٧٣ - ١٧٩، نقلنا ما يتعلق بمكتبة أبي نصر سابور والشيخ الطوسي عن مقدمة شيخنا الطهراني على التبيان وذكرنا المصادر التي أومأ هو إليها في الهامش، لاحظ الصفحة (ه‍ - و) من المقدمة.
(٢) الأنفال: ٦٥.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»