أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٦١
كما أن الاستقراء المتأني لأحداث السقيفة قد أوضح وبقوة في أثناء المؤتمر وبعده وجود تيار قوي ومتماسك تبنته جملة من وجوه الصحابة ومتقدميها، وعمدت إلى التذكير بوجوده والإجهار به، ولو قادهم هذا الأمر إلى الاقتتال دون تنفيذه، وذاك الأمر هو الإصرار على إيكال أمر الخلافة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) دون غيره، رغم ابتعاده (عليه السلام) عن ساحة الاعتراك وميدان التنازع في تلك السقيفة.
ولعل تمسك هذه الثلة من الصحابة بموقفها من بيعة الإمام دون غيره هو ما دفع بعض المؤرخين إلى الذهاب بأن التشيع كان وليد هذا المؤتمر ونتاج مخاضه، وأن يليهم آخرون يتعبدون بهذا الرأي ويرتبون من خلاله تصوراتهم وأفكارهم، فيتشعب ذلك إلى جملة واسعة من المتبنيات غير الواقعية والقائمة على أرض واسعة من الأوهام والاسترسال غير المنطقي.
ولعل هذا التصورات تعتمد في فهمها أساسا لمبدأ نشأة التشيع على ما رواه الطبري وغيره عن مجريات هذا المؤتمر وما ترتب عليه من نتائج، دون أن تمد بصرها إلى أبعد من هذه النقطة اللامعة التي أعمتهم عن التأمل في أبعادها.
قال الطبري: اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟ فقالوا:
منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منا الأمراء ومنكم الوزراء - إلى أن قال: - فبايعه عمر وبايعه الناس، فقالت الأنصار - أو بعض الأنصار -: لا نبايع إلا عليا.
ثم قال (أي الطبري): أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة:
فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه.
وقال أيضا: وتخلف علي والزبير، واخترط الزبير سيفه وقال: لا أغمده حتى
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»