النكال، وصبوا عليها صنوف العذاب، ولم يرقبوا فيها إلا ولا ذمة، ولم يرعوا لها حقا ولا حرمة، وأفرغوا بأسهم الشديد على النساء والأطفال، والرجال جميعا، في عنف لا يشوبه لين، وقسوة لا تمازجها رحمة، حتى غدت مصائب أهل البيت مضرب الأمثال، في فظاعة النكال، وقد فجرت هذه القسوة البالغة ينابيع الرحمة والمودة في قلوب الناس، وأشاعت الأسف الممض في ضمائرهم، وملأت عليهم أقطار نفوسهم شجنا، وصارت مصارع هؤلاء الشهداء حديثا يروى، وخبرا يتناقل، وقصصا تقص، يجد فيها الناس إرضاء عواطفهم وإرواء مشاعرهم، فتطلبوه وحرصوا عليه " (1).
نعم، لقد اقترن تأريخ الشيعة بأنواع الظلم والنكال، والقتل والتشريد، بحيث لم تشهده أي طائفة أخرى من طوائف المسلمين. بلى، لم ير الأمويون ولا العباسيون ولا الملوك الغزانوة ولا السلاجقة ولا من أتى بعدهم أي حرمة لنفوسهم وأعراضهم وعلومهم ومكتباتهم، فحين كان اليهود والنصارى يسرحون ويمرحون في أرض الإسلام والمسلمين، وقد كفل لهم الحكام حرياتهم باسم الرحمة الإسلامية، كان الشيعة يأخذون تحت كل حجر ومدر، ويقتلون بالشبهة والظنة، وتشرد أسرهم، وتصادر أموالهم، ولا يجدون بدا من أن يخفوا كثيرا من عقائدهم خوف النكال والقتل، وبأيدي وقلوب نزعت منها الرحمة.
فلا تثريب إذن على الشيعي أمام هذه الوحشية المسرفة من أن يتعامل مع أخيه المسلم بالتقية، وأن يظهر خلاف ما يعتقده، بل اللوم أجمعه يقع على من حمله على ذلك، بعد أن أباح دمه وعرضه وماله.
هذا هو طغرل بيك أول ملك من ملوك السلاجقة ورد بغداد سنة 447 ه،